باقى الموضوع
6- الواقعية:
فالشريعة تتعامل مع واقع لا مع خيال، فهي تشرع للأغنياء والفقراء وهناك مرضى وهناك أصحاء، وهي تتعامل مع نفوس بشرية تخطئ وتصيب، وتعصي وتطيع، وتنفق وتشح، وربما تضطر أحيانا لتخفيف أو تيسير فراعت الشريعة كل هذه الأمور ورفعت عن الناس الحرج: ففي سورة البقرة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا}، وفي سورة الحج: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وفي سورة المائدة: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
وفي الصلاة قال عليه الصلاة والسلام: [صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب].
وفي الصيام قال سبحانه: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)
وجعل الحج على من استطاع إليه سبيلا فقط. ومن لا قدرة له عليه سقط عنه.
وراعت الشريعة الطبيعة البشرية فليس أحد بمعصوم فإذا انتهز عدو الله إبليس منك غفلة أو غضبا أو شهوة فاعلم أن [كل ابن أدم خطاء وخير الخطائين التوابون].
ومن نظر في تشريع الطلاق لإنهاء حياة لا توافق فيها أو وقف مضرة لأحد الطرفين، أو نظر إلى التعدد وما فيه من خير للنساء قبل الرجال وكونه حلا لمشكلات اجتماعية كالعنوسة وغيرها، أو أحكام النظر والنهي عن الاختلاط المحرم لمنع آثاره المدمرة على المجتمع .. علم من خلال هذه الأحكام وغيرها واقعية الشريعة وصلاحيتها لضبط حياة الناس وواقعهم.
7- العدالة المطلقة:
قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ}... (الأنعام : 115) فشريعة الله هي القول الصدق وهي الحكم العدل {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}... (المائدة : 42)، {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}... (المائدة :
.
فكل الناس أمام شريعة الله سواء، فليست هي شريعة تطبق على الفقراء دون الأغنياء، ولا على المرؤوسين دون الرؤساء، ولا على المملوكين دون السادة، لا بل هي حكم الله على رقاب جميع العباد.
وقد أوضح هذا تمام الوضوح حديث المخزومية حين شفع فيه أسامة بن زيد فكان رد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه البخاري.
8- العالمية:
فهي شريعة نزلت لتحكم الدنيا كلها، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}... (الأنبياء : 107)، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ}... (سبأ : 28)، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}... (الفرقان : 1).
فالأصل أن تكون شريعة الله هي الحاكمة على جميع العالمين، وأن يحكم أهلها بين الناس، فانظر كيف ضُيعت الأمانة وانقلب الحال، فصار يحكمنا من كنا نحكمه، ويصرف أمورنا من كنا نصرف شؤونه.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنون بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم) (صحيح الترغيب والترهيب).
9- الرقابة المزدوجة:
وهذه ميزة لا تكون في غير أصحاب هذه الشريعة، فأهلها يعلمون أن الله مطلع عليهم في سرهم وجهرهم فلا يستطيعون أن يخالفوها ظاهرا أو باطنا أو مع الناس أو بعيدا عن أعينهم..
حدث في نيويورك قبل سنوات أن انقطعت الكهرباء فوقعت عمليات سلب ونهب واغتصاب لم يسبق لها مثيل، ففي ظلام النهار والليل وغياب رجال القانون استغل ضعاف النفوس الموقف.
وعندما وقع الإعصار في المسيسيبي كان أكثر الناس عدوانا وظلما الشرطة نفسها ولا تسل عن حالات السرقة والسلب والاغتصاب.
فأين هذا من ماعز الذي زنا فما رآه أحد ولا علم به أحد حتى أتى بنفسه إلى النبي ليطهره وهو يعلم أن جزاء فعله الرجم، فجاء راضيا بحكم الله ليلقاه في الآخرة طاهرا مطهرا ولو شاء لسكت ولما علم به أحد غير الله تعالى، غير أنه يعلم أن الله يراه وهذا ما حمله على فعل ما فعل.
لقد أرادت أمريكا في الستينات أن تمنع الخمر بالقانون فأنفقت مئات الملايين من الدولارات وما زاد الناس إلا شربا للخمر ومعاقرة لها، ولما أراد الله أن يحرم الخمر على المسلمين كانت بضع كلمات في آيتين من كتاب الله كفيلة بهذا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}... (المائدة: 90-91).
وهذا هو الفارق بين كل قانون وضعي وبين قانون الله تعالى، ولذلك كان العجب كل العجب أن يترك أهل هذه الشريعة شريعتهم ليبحثوا عن حثالات الأفكار وزبالات الأوهام وخبالات الأفهام وهو أمر جدير بالتعجب والاستنكار استنكره عليه خالقهم سبحانه فقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}... (المائدة : 50).
اللهم أقر عيوننا بنصر الإسلام وعز المسلمين، وحكم فينا شرعك وسنة نبيك يا أكرم الأكرمين.
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية