الشايُ الأخير

سمراءُ تُشبه نجمتي لكنها كالريح تلمسني،
كبعض الوقتِ، كالدنيا، كجوعِ النخلِ، كـ"الوسكي"
إذ ما انصبَ في كأسي أبادِلُها، فتقتلني وأقتلها...،
على رعشاتِها وفقَ الزمانُ بدفئهِ المسكونِ في هذا الإناءْ

تمشي على صدري، وفي فمها تسير الشمسُ..،
في أردافها لغةٌ من الماضي، وفي أوصافها شِعرٌ من التاريخِ يعرفني، ويهمسُ في دمي صبحاً، فأرتاد العراءْ

وجع بساقيها يمدُّ رحيلهُ في خاطري، فإذا وقفتُ على جنازتِها
بكتْ مثل الصغار على الطفولة من جديدٍ، لستُ أعرفها كما في غرفة الأشواق كنتُ أشوقها لثماً، فيحترق الهواءُ من الهواءْ

عريانَ أرسمُ وجهَهَا في مسبحي
وتطوف مثل الماء في عنقي، فيغفو الضوءُ في جسدي، وتنهالُ الأغاني الساقطاتُ على يدي، ينهالُ بعضُ الموتِ والأمواتِ، أو بعضٌ من الأحياءِ...، لا فرقٌ على أجزاء موتانا، على أحياء هذا الحيِّ، لا فرقٌ على حبٍّ أو اللاحبِّ
لا فرقٌ على ينبوع هذا النهرِ
لا فرقُ ولا فرقٌ ولا سِعَةٌ لدى الأحياء في القبلاتْ

كالبردِ تنتظر المطرْ
وعلى يديها جُمِّعتْ بعضٌ من الذكرى وأصناف الصورْ
تمشي وأذني خلف خطوتها، وعاد الوقتُ منتَظِرِي
وعدتُ على حصيرٍ من دمي، مشياً أعودُ بدون أحرفها، وخطوتِهَا
ودون الموتِ، أو دونَ الشتاءْ

لا أعرفُ الكلماتَ، إلا حين تمضي في شراعٍ
من فمِ اللازوردِ في طعم المكانْ
فعلى جنونِ "البستِ" يأسرني فمُ الرقصاتِ، آهٍ من مفاتنها، وآهٍ من شراشفها، ومن دفءِ الشتاءِ، تجمَّعتْ كالبردِ في أطرافها
فإذا بيَ الجمرُ المسخِّنُ نهدها، عمراً تراني فوق سُرتها اشتهاءْ

في غرفةٍ مملوءةٍ بالجنسِ نجلسُ، كأسنا ملئ بحبٍّ آدميْ.
ملئ بشيءٍ لستُ أعرفُ ما يصير على فم التاريخِ
أو لغة المدافنِ والقبورْ
لا زلتُ أحكي قصتي والشاي يسرقه الشتاءْ
ودمي يزور مدافنهْ.
والشايُ يُسرق من جديدْ
ما زلتُ أقرأ وجهها في علبة الكبريت، أبصرها ندىً

ما زلتُ أمشي خلف منظرها الشهيي لعلَّني التاريخُ في يدها..
أو بعض أنواعِ الكتابة حين يزدحمُ السريرْ
مجنونةٌ كالعهرِ في قلقي.. هنا سأظلُ أذكرُ في يديها سجدتي وتشهدي، سأظلُ في قلقي اشتهاءً من زمانِ الأنبياءْ

عاتبتها والشايُ يدفعني لها
والشايُ لا يُبقي لنا إلا ابتسامتَه القديمة، قُدْمَ أحجية المَنِيْ..
عاتبتها ويدي تطوف على مفاتنها الشهية لستُ معترفا بما ينهال في كوبي، وفي شفتي مذاق الحبِّ أسرقه كأني وجه عشبتها، كأني بعض أوراق الطفولة في ثنايا صدرها..
تبكي وفي إحساسها نبضي
وفي قبلاتها وطني سليبا، آهِ يا وطني السليبْ

في ساعة اللقيا الأخيرةِ
كانت الدنيا شتاءً في شتاءْ
في ساعة اللقيا الأخيرةِ
كانت القبلاتُ تاريخٌ على أرجائهِ
طافَ المكانُ بلا زمانْ
وكثائرين على الهوى تُرِكتْ مفاتننا تنام على لحود الأتقياءْ
في ساعة اللقيا الأخيرةِ
كنتِ معجزتي وفاتنة السماءْ
في ساعة اللقيا الأخيرةِ
لم يكنْ وطني سعيدا..
لم تكن أمي تنامُ على حريرٍ من مدى
بل خانها وطن وخانتها طفولهْ..

javascript:emoticonp('')